معاذ بن جبل إنه رجل بأمة ، هو أحد السبعين الذين شهدوا بيعة العقبة الثانية من الأنصار ، و قد تفقه في دين الله حتى وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه “أعلم الناس بالحلال و الحرام ” ، و قد بلغ من العلم أن الصحابة – رضوان الله عليهم- كانوا يجتمعون حوله ليتعلموا منه أمور الحلال و الحرام ، و بلغ من الفضل و النجابة و الكمال ما جعل عمر بن الخطاب يقول عنه: “عجزت النساء أن يلدن مثله”.

قصة معاذ بن جبل

حيث ولد معاذ بن جبل بن عمرو الأنصاري عام 18 قبل الهجرة و والدته تدعى هند بنت سهل الجهمية، ومن أبرز صفاته تمتع بالشجاعة والكرم وحسن الإنصات، ماراً بالقرآن الكريم تلاوةً وحفظاً، كان لديه القدرة على الفتوى في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، كما و تميز معاذ بن جبل بالعديد من الصفات الجميلة الخارجية فكان شاباً جميلاً طويل القامة أبيض اللون وجهه ضي جميل يشع منه النور لزيادة إيمانه، جميل الشعر عينان بهما الكحل الرباني، مجموع الحاجبين براق العينين، إذا تحدث إليك كان لؤلؤ يخرج من فمه من كلمات ورائحة العنبر من لسانه وذهب الألفاظ لما له من قدرة كبيرة على الدراية بشؤون الدين.

هو إنسان مختلف عن باقي الموجودين في عصره فهو صحابي وقارئ للقرآن وحافظاً له وراوي الحديث النبوي، وأعلن إسلامه وهو في عمر 18 عاماً، وشارك في الفتح الإسلامي للشام، شهد مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم الكثير من الفتوحات والمعارك، شهد بيعة العقبة الثانية ، كان للرسول محمد دوراً كبيراً في بقاء معاذ بن جبل بمكة ليعلم الناس القرآن الكريم والأحاديث النبوية والفقه الإسلامي، له خبرة وثقافة طويلة في العلم والفقه الإسلامي ونشيطاً في تعليم الناس أمور دينهم.

كان معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه شديد الكره للأصنام، يحتقرها ويهوّن من شأنها عند أهلها ، و ذلك ليدركوا أنّها لا تستحقّ العبادة، فقد ذكر ابن هشام في السيرة أنّ عمرو بن الجموح قبل أن يسلم كان له صنم في داره من خشب يقال له مناة، فلمّا أسلم فتيان بني سلمة، ومنهم معاذ، جعلوا يدخلون على صنم عمرو فيأخذونه ويطرحونه في بعض حفر بني سلمة، وفيها قاذورات الناس وأوساخهم منكساً على رأسه، فإذا أصبح عمرو قال ويلكم من عدا على آلهتنا هذه الليلة ؟ ثمّ يغدو يلتمسه حتّى إذا وجده غسله وطهّره وطيّبه، ثمّ قال: أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأخزينّه، فإذا أمسى ونام عمرو عدوا عليه، ففعلوا به مثل ذلك، فيغدوا فيجده بمثل ما كان فيه من الأذى، فيغسله ويطّهره ويطيّبه، ثمّ يعدون عليه إذا أمسى فيفعلون به كما فعلوا ، فلمّا أكثروا عليه استخرجه من حيث القوّة يوميّاً، فغسله وطهّره وطيّبه، ثمّ جاء بسيفه فعلّقه عليه ثمّ قال: إنّي والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى، فإن كان فيك خير فامتنع، فهذا السّيف معك، فلمّا أمسى ونام عمرو عليه، أخذوا السيف من عنقه ثم أخذوا كلباً ميّتاً فقرنوه به بحبل ، ثم ألقوه ببئر من آبار بني سلمة، فيها براز الناس، ثمّ غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الّذي كان به، فخرج يتبعه حتّى وجده في تلك البئر منكساً مقروناً بكلب ميّت، فلمّا رآه وأبصر من شأنه، كلّمه من أسلم من رجال قومه، فأسلم يرحمه الله، وحسن إسلامه.

معاذ بن جبل كرمه رضي الله عنه

عن ابن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل رضي الله عنه شاباً جميلاً سمحاً من خير شباب قومه، لا يسأل شيئًا إلا أعطاه، حتى أدان ديناً أغلق ماله “أصبح مديناً” فكلم معاذ رسول الله (صل الله عليه وسلم) أن يكلم غرمائه ففعل فلم يضعوا له شيئًا (كان غرماء معاذ من اليهود ، فلهذا لم يضعوا عنه شيئًا) فلو ترك لأحد الكلام لترك لمعاذ الكلام رسول الله (صل الله عليه وسلم)، فدعاه النبي (صلى الله عليه وسلم) فلا يبرح حتى باع ماله وقسمه بين غرمائه فقام معاذ لا مال له فلما حج بعثه النبي (صل الله عليه وسلم) إلى اليمن ليجبره (ليعوضه عن فقد ماله) .

معاذ بن جبل يعتق عبيدة لله تعالى

عن أبي وائل قال: لما قبض النبي (صل الله عليه وسلم) و استخلفوا أبا بكر وكان رسول الله صل الله عليه وسلم قد بعث معاذاً إلى اليمن فاستعمل أبو بكر عمر على الموسم “الحج”  فلقي معاذاً بمكة ومعه رقيق فقال هؤلاء أهدوا لي وهؤلاء لأبي بكر فقال عمر إني أري لك أن تأتي أبا بكر قال فلقيه من الغد.

فقال يا ابن الخطاب لقد رأيتني البارحة وأنا أنزو (أهبط) إلى النار وأنت آخذ بحجزته وما أراني إلا مطيعك، قال: فآتي بهم أبا بكر، فقال: هؤلاء أهدوا لي، وهؤلاء لك، قال أبو بكر رضي الله عنه: فإنا قد سلمنا لك هديتك فخرج معاذ إلى الصلاة فإذا هم يصلون خلفه، فقال لمن تصلون هذه الصلاة؟ قالوا لله عز وجل، قال: فأنتم لله، فأعتقهم.

موت معاذ بن جبل

وفاة معاذ بن جبل توفي الصحابي الجليل معاذ بن جبل السنة الثامنة عشر للهجرة مصاباً بالطاعون في الشام بناحية الأردن، وكان عمره رضي الله عنه ثماني وثلاثين سنة و منهم من قال ثلاث وثلاثين أو أربع وثلاثين ، وهذا هو الشاب معاذ بن جبل إمام الفقهاء وكبير العلماء الذي قال فيه الرسول: (نعم الرجل معاذ بن جبل).

 

و هكذا نصل إلى ختام المقال الذي كان بعنوان قصة معاذ بن جبل ، كما و تعرفنا أيضاً على صفاته و أخلاقه الحميدة ، و شارك في العديد من المعارك .