منذ أن بزغ فجر الإسلام ليحرر الإنسان من العبودية لغير الله عرفت مسيرته خيرة نساء عظيمات خلدهن التاريخ بما قدمن من تضحيات، وما سجلن من مواقف مشرفة كان لها أثرها في انتشار رسالة الحق في ربوع العالم ،و من النساء التي ضربت المثل والقدوة في الصبر والرضا بقضاء الله وقدره، وفي الشعر غلبت فحول الشعراء، وبحكمتها أسكتت وأبهرت الحكماء والبلغاء هي الخنساء فسنتعرف سويا في موقع الجنينة على الخنساء و سبب تسميتها بهذا الاسم

سيرة الذاتية لـ الخنساء

هي تماضر بنت عمرو السلمية، صحابية وشاعرة مخضرمة من أهل نجد ، أدركت الجاهلية والإسلام وأسلمت، اشتهرت برثائها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية، ولدت قبل الأسلام وعاشت بعده، وكانت ذات حسب وجاه وشرف، واتصفت بجمالها الأخاذ وتقاسيمها المتناسقة، ولهذا فقد شبهوها بالبقرة الوحشية، والعربي اذا تغزل بالأنثى وأراد التعبير عن جمالها شبهها بذلك.

سبب تسمية الخنساء بهذا الاسم

ولدت تماضر بنت عمرو بنت الحارث السليمية في بادية الحجاز، وكان قومها يعتبرون بمثابة البدو في زمنهم و يرجع نسبهم لقبائل مضر من قيس عيلان ، و كان لدى تماضر لما ولدت اثنين من الاخوة هما صخر وقيس و كان والدها عمرو سيد قومه و رجلاً معروفاً بين العرب و كان من رسل العرب الى كسرى الفرس و غيرها من الملوك ، سميت تماضر “بالخنساء” من قبل الإسلام و كان ذلك بسبب قصر أنفها وارتفاع أرنبتها و قد كانت من علامات الجمال و هذه صفة موجودة في الظباء(الغزلان)، و كانت تماضر امرأة غاية في الجمال

قصة الخنساء أم الشهداء

  • كانت الخنساء من أعرف نساء العرب بالشعر واشتهرت بالبلاغة وحسن المنطق والبيان، وكان أكثر شعرها وأجوده رثاؤها لأخويها صخر ومعاوية اللذين قتلا في الجاهلية قبل الإسلام. تزوجت من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي، وأنجبت منه أربعة أولاد ربتهم على الإيمان بالله عز وجل وحسن الخلق والتضحية في سبيل الله ودفاعا عن الوطن،
  • وهاجرت الخنساء إلى المدينة المنورة مع قومها من بني سليم ودخلت معهم على رسول الله وبايعته وأعلنت إسلامها وحسن إسلامها، وكان الرسول الكريم يستنشدها ويعجبه شعرها، اشتهرت (رضي الله عنها ) بشدة إيمانها بالله ورسوله، وجهادها في سبيل نصرة الحق، شهدت معركة القادسية سنة 16هـ مع أولادها الأربعة (عمرة، وعمرو، ومعاوية ويزيد )، وكانت توصيهم وتحثهم على الجهاد في سبيل الله فتقول: (يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين، وتعلمون ما أعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل، واعلموا أن الدار الباقية خير من الدار الفانية، فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين، وإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها، واضطرمت لظى على سياقها، وجلت نارا على أرواقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدام خميسها (جيشها)، تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة
  • وفي الصباح الباكر كان أبناؤها في مقدمة الصفوف ينفذون وصية الأم الحكيمة، واشتد وطيس المعركة، واستشهد أولادها الأربعة، وعندما علمت باستشهادهم لم تجزع ولم تبك وقالت برباطة جأش وعزيمة وثقة : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته، فكانت مثالا مميزا وفريدا للأم الصابرة المحتسبة أجرها على الله .. توفيت (رضي الله عنها) بالبادية في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه سنة 24هـ

شعر الخنساء

في نهاية ما جاء من نبذة عن الخنساء الشاعرة الجاهلية التي أدركتِ الإسلام فكانت من المخضرمين، لا بدَّ من المرور على بعض أشعار هذه الشاعرة الكبيرة التي مدحها النابغة والتي طاولت كبار فحول العرب من الجاهليين والإسلاميين، وفيما يأتي بعض أشعار الخنساء رضي الله عنها:

  • تقول الخنساء في إحدى قصائدها: يا عَينِ ما لَكِ لا تَبكينَ تَسكابا؟ اِذْ رابَ دهرٌ وكانَ الدّهرُ ريَّابا فابْكي أخاكِ لأيْتامٍ وأرْمَلَةٍ وابكي أخاكِ إذا جاورتِ أجنابا وابكي أخاكِ لخيلٍ كالقطا عُصبًا فُقدْنَ لمَّا ثوى سِيبًا وأنهابا يعدُو بهِ سابحٌ نهدٌ مراكلهُ مجلببٌ بسوادِ الَّليلِ جلبابا حتى يُصَبّحَ أقوامًا، يُحارِبُهُمْ أوْ يُسْلَبوا -دونَ صَفّ القوم- أسلابا هو الفتى الكامِلُ الحامي حَقيقَتَهُ مأْوى الضّريكِ اذّا مَا جاءَ منتابَا وتقول الخنساء أيضًا:[٦] كُلُّ اِمرِئٍ بِأَثافي الدَهرِ مَرجومُ وَكُلُّ بَيتٍ طَويلِ السَمكِ مَهدومُ لا سوقَةٌ مِنهُمُ يَبقى وَلا مَلِكٌ مِمَّن تَمَلَّكَهُ الأَحرارُ وَالرومُ إِنَّ الحَوادِثَ لا يَبقى لِنائِبِها إِلّا الإِلَهُ وَراسي الأَصلِ مَعلومُ وَقَد أَتاني حَديثٌ غَيرُ ذي طِيَلٍ مِن مَعشَرٍ رَأيُهُم قِدمًا تَهاميمُ
  • ومن شعر الخنساء أيضًا: يا عينُ فِيضي بدَمْعٍ منكِ مِغْزارِ وابكي لصخرٍ بدمعٍ منكِ مدرارِ إنّي أرقتُ فبتُّ الَّليلَ ساهرةً كأنَّما كحلتْ عيني بعوَّارِ أرعى النُّجومَ وما كلّفتُ رعيتها وتارَةً أتَغَشّى فضْلَ أطْمارِي
  • وتقول الخنساء أيضًا: أَرِقتُ وَنامَ عَن سَهَري صِحابي كَأَنَّ النارَ مُشعِلَةٌ ثِيابي إِذا نَجمٌ تَغَوَّرَ كَلَّفَتني خَوالِدَ ما تَؤوبُ إِلى مَآبِ فَقَد خَلّى أَبو أَوفى خِلالًا عَلَيَّ فَكُلُّها دَخَلَت شِعابي ومن شعر الخنساء أيضًا:[٩] بَكَتْ عَيْني وعاوَدَها قَذاها بعوَّارٍ فما تقضي كراها على صَخْرٍ، وأيّ فتًى كصَخْرٍ إذا ما النّابُ لم تَرْأمْ طِلاها فَتى الفِتْيانِ ما بَلَغوا مَداهُ ولا يَكْدَى إذا بلغَتْ كُداها حلفتُ بربِّ صهبٍ معيلاتٍ إلى البيتِ المحرَّمِ منتهاها

الى هنا نصل الى ختام مقالنا الذي تعرفنا فيه على الخنساء و سبب تسميتها بهذا الاسم و قصتها مع استشهاد ابنائها الاربعة كما تعرفنا الى بعض من اشعارها