من هي سيدة القصور

فاطمة بنت عبد الملك عرفت بسيِّدة القصور التي اجتمعت فيها صفات الجمال والنسب والعقل الكبير، فضلاً عن التقوى والورع والتواضع؛ إنَّها فاطمة بنت عبد الملك سيدة القصور، التي كانت زوجة صالحة، وأمّاً مربيّة ووزيرة وفيَّة لزوجها.

من هي فاطمة

بنت الخليفة عبد الملك بن مروان السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن وإيران والسند وما وراء النهر شرقاً، وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى وإسبانيا غرباً، وأخت الخلفاء الأربعة من عظماء الإسلام؛ وهم: الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، ويزيد بن عبد الملك، وهشام بن عبد الملك، وفوق كل هذا زوجة أعظم خليفة عرفه الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز قاربت الهمَّة العالية فاقتدت، وخالطت المسك الفواح فمسها شذاه..

عمر بن عبد العزيز

كلّنا يسمع بما كان عليه عمر بن عبد العزيز قبل الخلافة من النعيم والجاه، حبّه للمسك والعطور والثياب والعيشة الناعمة الفاخرة، كان يلبس الثوب مرة وإن تواضع فمرتين، كانت حصيلة مخصصاته كأمير أموي أربعين ألف دينار في السنة..، لقد ترك هذا كله حينما نصب خليفة للمسلمين، ترك الطعام الهنيء والأثاث الوثير والعيشة الفاخرة والأموال والأملاك، وعاش في بيت متواضع واكتفى بثروة زهيدة هي خادمة وجارية اشتراهما، وبغلة شهباء وأرض صغيرة كان قد اشتراها من ماله الخاص تدر عليه في العام مئتي دينار يتعيش منها هو وأسرته الكثيرة العدد.

سيرتها

فاطمة تمثل لنا قول حبيبنا محمد عليه أفضل الصلوات والتسليم: (ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عزّ وجل خيراً له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله..) لم تتبع فاطمة زوجها راضية فقط، بل كانت العنصر القوي والركن المتين والسند الأمين الذي كان يستند إليه عمر بن عيد العزيز زوجها أثناء خلافته التي لن تدم أكثر من سنتين وخمسة شهور.
ينظر إليها زوجها مرَّة، وقد تزينت بحليها، فقال لها بلطف:
تعلمين يا فاطمة، من أين أتى أبوك بهذه الجواهر (يقصد من بيت مال المسلمين)، فهل لك أن أجعلها في تابوت ثم أطبع عليه، واجعلها في تابوت ثم أطبع عليه، واجعله في أقصى بيت مال المسلمين وأنفق ما دونه، فإن خلصت إليه أنفقته، وإن مت قبل ذلك فلعمري ليردنه الخليفة الجديد إليك؟؟
فتجيبه الزوجة الوفية المخلصة: افعل ما شئت يا أمير المؤمنين.

ولمَّا توفي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، ولم يخلف لها ولأولاده شيئا، فجاءها أمين بيت المال وقال لها: إنَّ مجوهراتك يا سيّدتي، لا تزال كما هي، وإنّي اعتبرتها أمانة لك وحفظتها لهذا اليوم، وقد جئت استأذنك في إحضارها، فأجابته بأنَّها وهبته لبيت مال المسلمين طاعة لأمير المؤمنين ثم قالت: (ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا)، وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوي الملايين الكثيرة، في الوقت الذي كانت محتاجة إلى دريهمات، وبذلك كتب الله لها الخلود، فها نحن نذكرها بعد عصور وعصور..

هذا التحوّل السّريع لحياة فاطمة من سيّدة آمرة ناهية إلى امرأة بسيطة تغسل ثوب زوجها البال الأوحد باختبار لم يغيّر حياتها فحسب، بل غيّر نظام الحكم الأموي بزمن وجيز.. وشعرت أهل الأرض قاطبة.. فقد هدأت له النفوس وعمَّ الخير أرجاء البلاد من أقاصي الشرق عند نهر سيحون إلى أقاصي الغرب في المغرب والأندلس حتى أن عامل الخليفة على الصدقات ليطوف بالصدقة فلا يجد من يقبلها، فلله درك يا حفيد الفاروق!!

حين جاءت الأعرابية تريد لقاء الخليفة فدلَّها النَّاس على بيته البسيط.. فطرقته لتفتح لها الباب امرأة امتلأت يداها بالعجين، فسألتها الأعرابية عن الخليفة عمر بن عبد العزيز، فطلبت منها المرأة أن تنتظر للحظات ريثما يأتي الخليفة، وإذا بجانب حائط البيت رجل يصلح الجدار وقد علقت بقع الطين بيده وثوبه فنظرت الأعرابية باستغراب، وسألتها كيف تجلس أمامه دون أن تستر نفسها؟ فتجبيها ضاحكة: إنَّه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، وأنا زوجته فاطمة.
تلك هي سيّدة بني أمية التي حفرت في أعماق التاريخ بصمات واضحة لحسن الاختيار، فكانت نبراساً يهتدي بها نساء المسلمين إلى قمَّة العظماء.
توفيت فاطمة بنت عبد الملك في خلافة هشام بن عبد الملك، رحمها الله وأعلى مقامها ومقام زوجها في جنات النَّعيم.

 

وبهذا نكون قد وصلنا الى ختام مقالنا ونتمنى أن ينال إعجابكم ودمتم في أمان الله وحفظه.